Thursday, August 24, 2006

فرصة العرب

2006-08-24

فرصة العرب ............................... حنان البدري

يمثل ملف اعادة إعمار لبنان وتعويضه عن الدمار المتعمد الذي الحقته به “اسرائيل” فرصة تاريخية على العرب استثمارها، وربما تكون ورقة أخيرة، إذا تمكن العرب من الاستفادة منها سيكون بوسعهم تحقيق انجاز تاريخي يقطع

الطريق على مخططات المد الامريكي “الاسرائيلي” لتطويع المنطقة برمتها. علينا أن نسأل انفسنا كعرب لماذا تتلهف إدارة بوش وتبذل جل جهدها للاعداد لمؤتمر استوكهولم نهاية هذا الشهر لإعمار لبنان؟



ان “الاجندة” الغربية لا تخفى على أحد، فمؤتمر استوكهولم الذي ستقوده واشنطن، سواء في العلن أو في الخفاء، مخطط له جمع ملايين معظمها وكما هو الحال دوماً سيأتي من العرب، وستجد الدول العربية نفسها مجدداً مضطرة لتسديد فاتورة العربدة “الاسرائيلية” وهي ملايين مهما بلغ سقفها يدرك الداني والقاصي انها لن تحقق إعماراً حقيقياً كالذي ساعدت به واشنطن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من دون ان تغفل استثماره لصالح الاقتصاد الامريكي الذي تولى اعمار أوروبا في ما عرف ب”مشروع مارشال” اما في حالة لبنان فستجمع الأموال من العرب في الواقع وتدار امريكيا ونظريا تدار دوليا لذر الرماد في العيون. ثم تتلوها عملية جرجرة جماعية للعرب نحو سلام شامل مع “اسرائيل” فهل يستطيع العرب ان يحولوا الموقف برمته لصالحهم؟ الجواب هو نعم، اذا ما تمسكوا بآليات دبلوماسية وسياسية بعينها كفيلة ليس بإعادة اعمار لبنان بشكل صحيح فقط، بل والأهم هو اغلاق الباب وللأبد امام “اسرائيل” وبعض القوى الدولية التي اعتبرت نفسها ومنذ مدة مفوضة تلقائياً بواقع الصمت الدولي وبواقع الحرب على الارهاب المفروضة إجبارياً على المجتمع الدولي باستخدام القوة التي تصل الى التدمير في اغلب الأحوال من دون وازع أو رادع ولو اخلاقي في تدشين لمنهج “اسرائيلي” الأصل ابتدعته الاخيرة بالاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين من دون ان تأبه بالدمار، او القتل معتمدة على الترويع لكل من لا يقبل او يوافق على الامتثال، ثم جره لاحقا الى طاولة مفاوضات عليه ان يذعن لما تفرضه ولدينا “أوسلو” لا يزال ماثلا للعيان كمثال واقعي لهذا المنهج.

نعم يستطيع العرب الآن فقط ان يحولوا الموقف لصالحهم اذا ما استخدموا خطوات وآليات لا مناص منها لو أرادوا وهي:

1- ان يمتنع العرب من الآن فصاعدا عن تسديد فاتورة مغامرات “اسرائيل” وغيرها بإعلانهم انشاء صندوق تعويضات العدوان “الاسرائيلي” على لبنان بل وعلى فلسطين، وتدعى دول المجتمع الدولي لا سيما الكبرى منها مثل مجموعة الثماني الكبرى، والدول الكبرى التي ماطلت في مجلس الأمن الدولي لإقرار وقف سريع لإطلاق النار، للمساهمة في هذا الصندوق والذي نقترح ان تديره جامعة الدول العربية بشفافية ومعايير محاسبية. وهو الأمر الذي سيوفر ايضا فرصة للجامعة كي تستعيد دورها المفقود. كما أن اصرار العرب على هذه الخطوة سيمكنهم من التخلص نهائياً من سياسة أرستها “اسرائيل” واستخدمتها الولايات المتحدة لاحقا في العراق، وهي سياسة التدمير بغرض الترويع من دون تحمل أي مسؤولية بل والقاء عبء اعادة التعمير على المجني عليه وليس العكس.

وللأسف فإن ثقافة الجود والكرم العربي كافأت “اسرائيل” دوما، ولو من دون قصد، بإنجاح سياسة الترويع هذه حين كانوا يسارعون بتعويض الشقيق المتضرر من دون مساءلة العدو الجاني، وقد نذهب الى القول انه لو أصرت مصر على طلب التعويض لإعادة بناء المدن المدمرة على طول قناة السويس في عدوان 56 او في حرب ،67 لكانت اضطرت “اسرائيل” وبعدها الولايات المتحدة لإعادة التفكير قبل الاقدام على العدوان على المدن والسكان في غزة والضفة ولبنان والعراق.

2- يستطيع العرب أيضا ان يستخدموا مرة أخرى ثروتهم النفطية، لكن بطريقة مختلفة عما حدث في حرب اكتوبر/ تشرين الأول ،73 وذلك لمقتضيات نعلمها جميعاً، فيمكن زيادة صادراتهم النفطية، ولكن مع فرض مصاريف اضافية وعدة دولارات على كل برميل نفط عربي تحصل لصالح اعمار لبنان وتعويض غزة، تلزم بها الدول الصناعية الكبرى والغنية وتعفى منها الدول الفقيرة، او تكون مساهمات دول العالم الثالث طوعية، وذلك الى ان يتم الانتهاء تماما من اعادة اعمار لبنان وغزة وتعويضهما، وبهذا لن يكون لا لبنان ولا الفلسطينيون في حاجة لتسول تعويضات ولا يمكن هنا اعتبار فرض ضريبة بسيطة على صادرات النفط العربية ابتزازا اقتصاديا على نسق ما دأبت “اسرائيل” على فعله، وما زالت في سياق تعويض اليهود عما يسمى بالمحرقة، وبهذا الاجراء سيمكن للعرب منع تحول لبنان الى عراق آخر حكم عليه بالحصار والتجويع ثم الغزو وتحطيم مقدراته، ثم الاستيلاء على ثرواته لا سيما النفطية وتحويله الى بلد محتل تطحنه صراعات لا يعلم الا الله متى سيخرج منها.

3- أيضا، ينبغي ان يتبنى العرب الدعوة الى اعفاء لبنان المثقل بديون تجاوزت فوائدها حجم الدين الاصلي.

4- من المهم هنا ولكي يستفيد العرب ولبنان هذه المرة وقبل ان تطوى كالعادة احدى كوارث التدمير “الاسرائيلي” المتعمد للبنان ان يخط العرب وبالاجماع رسالة تحذير ضمن “معاداة الحياة” على نسق مكافحة مشابهة لحركة “مكافحة معاداة السامية” يدعون فيها ويعلنون الى مقاطعة الشركات التي أسهمت منتجاتها في تدمير لبنان وما أكثرها ومنها احدى الشركات التي استخدمت جرافاتها في الحرب على لبنان وفي تجريف بيوت الفلسطينيين.

لا بد ان تكون رسالة العرب رسالة شرف تدوي في آذانهم بدلاً من مكافأة هذه الشركات وطالما ان البديل الآسيوي موجود.

5- صحيح ان مؤتمر استوكهولهم باق عليه أيام، ولكن على العرب ان يجيبوا وبسرعة عن التساؤل لماذا استوكهولم وليس بيروت، لماذا الغرب وليس العرب الذين ينبغي ان يديروا عملية اعادة الاعمار في لبنان؟

المشهد كما أسلفنا واضح، ويحتاج الى وقفة لصد محاولات تأصيل منهج التعود على التبعية.

المطلوب الآن فوراً التحرك باتجاه تعمير حقيقي وسريع للبنان يضمن انعاشاً اقتصادياً حقيقياً يتلو عملية اعادة الاعمار. فلبنان حقيقة لم تتم اعادة بنائه بشكل كامل منذ الحرب الاهلية والاجتياح “الاسرائيلي” واذا أردنا اعماراً حقيقياً فإن هذه العملية لن تقل تكلفتها عن عشرة مليارات دولار ينبغي ان تضخ محليا ومباشرة ليس عبر وسطاء.

ان الاصرار الغربي على تحديد قنوات ضخ المساعدات بمنظمات إغاثة دولية ومسيحية، كما رتب مؤخراً ساسة في واشنطن يكشف بجلاء أجندة امريكية “اسرائيلية” غربية بالتأكيد ليس فيها ما هو بحق في صالح العرب الا الشعارات التي تنضوي تحتها أهداف مغايرة تضرب عشرين عصفوراً بحجر واحد، بدءاً من محاولة القضاء على ثقافة المقاومة وتقديم الغرب باعتباره الصديق الذي يقدم يد المساعدة. ومكافأة “اسرائيل” على عدوانها وحتى تنظيف الطريق وتطويع المنطقة بشكل كامل لسيطرة امريكية طويلة الأجل.

باختصار على العرب الا يتحملوا هذه المرة فاتورة العدوان “الاسرائيلي” وهذا لا يعني الا يقدموا العون المادي والمعنوي للبنان، بل على العكس فإن التمسك بالآليات السالف ذكرها او بعضها بالتوازي مع مساهمات عربية اخرى كفيل بأن يحول الموقف برمته لصالحهم، وبمثل هذه الآليات يمكنهم قبول الذهاب الى طاولة مفاوضات السلام الشامل التي تحضر لها واشنطن من موقع قوة، وليس من موقع ضعف.

وليس خافياً ان واشنطن بدأت بالفعل اتصالاتها مع أطراف عربية كبرى في محاولة للحصول على دعم عربي شامل لعملية سلام دائمة تبدأ بالمسار اللبناني “الاسرائيلي” وتمتد من المحيط الى الخليج بحيث تحاصر فيه الدول التي لا تقبل الشروط المفروضة والتي ستتلوها حسبما يخطط لعملية سلام شامل يعترف فيها العرب ب”اسرائيل” في مؤتمر دولي احتفالي تتبعه خطوات يلتزم فيها العرب بإقامة علاقات كاملة مع “الدولة” العبرية ويتجاوبون مع تفاصيل الحل الشامل بدءاً من القبول بالأمر الواقع وحتى الالتزام بتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم بما في ذلك لبنان.

على أية حال الكرة الآن في الملعب العربي بامتياز فهل سيغتنمون الفرصة ويديرون الأمور لصالحهم هذه المرة أم سيقبلون بسيناريو مفروض لصالح “أجندات” أخرى؟!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home