Saturday, January 27, 2007

فكة المعونة الأمريكية.. هل تحتاجها مصر

فكة المعونة الأمريكية.. هل تحتاجها مصر

كتبت : حنان البدري

يبدأ الأسبوع المقبل مسئولان مصريان كبيران زيارة مهمة وقصيرة إلى واشنطن، وبالطبع فإن أجندة هذه الزيارة التى يقوم بها أحمد أبوالغيط وزير الخارجية واللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة حافلة بالكثير من القضايا المهمة لكل من مصر والولايات المتحدة بدءا من الملف الفلسطينى مرورا بالوضع الكارثى بالعراق ووصولا لبيروت الحائرة ودارفور المهددة.

مع أن هذه الزيارة من الصعب أن تحسب ضمن الحوار الاستراتيجى المصرى - الأمريكى، إلا أن مسألة المساعدات الأمريكية لمصر ستكون ضمن المباحثات المشتركة بين الجانبين على المستويين الحكومى الأمريكى وداخل الكونجرس أيضا.هذه الزيارة كما صرح سفيرنا فى «واشنطن» نبيل فهمى لـ «روزاليوسف» كان قد جرى التفكير فيها منذ الخريف الماضى، وتحديدا فى أعقاب نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية، قبل أن يتحدد موعدها فى الفترة من 5 إلى 7 فبراير المقبل، تأكيدا على أن يتم خلالها تناول مسألة مستقبل برنامج المساعدات الأمريكية لمصر، وعلى الرغم من تأكيد السفير على أن هذه المسألة لاتندرج تحت بند القضايا العاجلة، إلا أنه قال فى الوقت نفسه أنها «قضية آن الأوان لمراجعتها» باعتبار أن التفاهم المصرى الأمريكى الذى تم على أساسه تخفيض المساعدات بقيمة 40 مليون دولار سنويا، ولمدة عشر سنوات، قد قارب على الانتهاء بحلول العام 2008 وميزانيته ستبدأ مناقشتها مع بداية فبراير المقبل أيضا. كما يرى السفير «نبيل فهمى» أنه سيتم تناول موضوع المساعدات الأمريكية لمصر من زاويتين: إحداهما أن هذه المساعدات بالأساس كانت دلالة على التقدير الأمريكى لدور مصر فاستجابت واشنطن لاحتياج مصر لتطوير اقتصادها وقدراتها العسكرية والأمنية خلال الربع قرن الأخير، أما الزاوية الأخرى فتمثل تحسن الوضع الاقتصادى المصرى، وهو تحسن - لم يصل إلى مستوى الكمال - على حد تعبيره، وبالتالى فإن الاحتياج المصرى للمساعدات الاقتصادية الأمريكية قد تغير، وكان من الطبيعى أن يتم تطوير برنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية لمصر وتغير بعض عناصره ليس لأن العلاقات بين البلدين قد تغيرت، ولكن لأن احتياجات مصر قد اختلفت. وفى نهاية حديثه أشار السفير المصرى بـ «واشنطن» إلى أنه جارى الآن بحث الشكل المستقبلى للمساعدات الأمريكية الاقتصادية لمصر من وجهة النظر المصرية وعلى أعلى مستوى بين المسئولين المصريين قبل أن تناقش الأفكار المصرية مع الجانب الأمريكى.
على الجانب الأمريكى لاشك أن الوضع قد اختلف الآن سواء داخل الكونجرس أو حتى داخل الإدارة، حيث تحدثت مؤخرا مع مسئول كبير بالخارجية الأمريكية.. خيرنى بين ذكر اسمه والاكتفاء بمجرد تصريح رسمى تقليدى يعبر عن الترحيب بمناقشة هذا الموضوع خلال زيارة الوزير أبوالغيط وبين عدم ذكر اسمه ونشر الحقيقة، فاخترنا حجب هويته بالطبع، حيث كشف هذا المسئول أن هناك جانبا من الأمريكيين يشعرون بأنهم يدفعون «الغالى والنفيس» - حسب تعبيره - من جيب دافع الضرائب الأمريكى، فإذا قال المصريون أنهم لايحتاجون هذه الأموال فسيكون هؤلاء الأمريكيون ممتنين!
ولم يخف هذا المسئول شعور بعض المسئولين الأمريكيين أن الوصول لهذه النقطة سيحدث إن عاجلا أو آجلا، وعندما واجهت ذلك المسئول بحقيقة ضآلة حجم هذه المساعدات مقارنة بالغلاء وارتفاع الأسعار هذه الأيام وانخفاض سعر الدولار فى المقابل فإنه لم ينف شعوره بأن المساعدات الاقتصادية ستستمر لكن المشكلة ستكون مع الكونجرس - على حد رأيه - لاسيما النائب «توم لانتوس» الذى أصبح الآن رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، والذى يطالب بل ساهم بالفعل فى تقديم العديد من التعديلات ومشاريع القوانين العام تلو الآخر مطالبا بتحويل المساعدات العسكرية لمصر إلى مساعدات اقتصادية بحجة عدم وجود خطر أو عدو يتهدد مصر بعد سلامها مع إسرائيل، وبدعوى أن مصر فى حاجة للمساعدات الاقتصادية أكثر من حاجتها للمساعدات العسكرية أكثر من أى وقت مضى. كما كشف مسئول الخارجية الأمريكية كذلك أن هناك تفكيرا داخل الإدارة الأمريكية يجنح نحو تخصيص ما سيتبقى من المساعدات الاقتصادية - حوالى 425 مليون دولار بعد انتهاء فترة التخفيض المتوالى العام المقبل - لدعم القطاع الخاص المصرى والمجتمع المدنى، وأضاف موضحا «طبعا سيتم ذلك بالتنسيق مع الحكومة المصرية».
أما بالنسبة للكونجرس فإنه غارق حتى أذنيه فى المسألة العراقية، وبرغم ذلك لاحظت تحضيرا فى اللجان المختصة بالميزانية والعلاقات الخارجية بشأن هذا الموضوع، ودون الخوض فى مزيد من التفاصيل التى باتت معادة وموسمية منتظمة تجاه موضوع المساعدات الأمريكية لمصر فإن الموقف واضح ولايستلزم من مصر سوى اتخاذ القرار الأفضل، فالرئيس الراحل «أنور السادات» حين قبل المساعدات الأمريكية كانت قيمتها حينها أضعاف ما تبقى من هذه المساعدات، والآن حين يصل الأمر إلى مصلحة مصر القومية فإن على القاهرة شرح الحقيقة «لواشنطن» وبأن «الفكة» المتبقية من المساعدات لن تساهم فى أى مساعدة فعلية للاقتصاد المصرى بل وليس من مصلحة مصر سماع معزوفات تخفيض المعونة السنوية داخل الكونجرس وخارجه، باعتبارها ورقة ضغط، حين يرتدون عباءة الدمقرطة وحقوق الإنسان.

الحل الآن بيد المصريين وحدهم، فالمساعدات الاقتصادية لم تصبح لها قيمة حقيقية، وإذا أراد الأمريكيون مساعدة مصر فعليهم ضخ المزيد من الاستثمارات، فالاستثمارات الأمريكية فى مصر مازالت ضئيلة ويتركز معظمها فى قطاع البترول باعتباره قطاعا مضمونا للمستثمر الأمريكى، وعلى واشنطن أن تساهم فى تمويل مشاريع ضخمة حقيقية وليست «إهدارية»، فبرغم زيادة الصادرات المصرية للولايات المتحدة مؤخرا إلا أنها تعد ضئيلة إذا ما قورنت بالوضع الأمريكى مع بلدان أخرى، والصين خير مثال على ذلك، فلم يذهب المستثمر الأمريكى فجأة إلى الصين، بل شجعته بلده لعوامل سياسية، حين أقلق واشنطن تعاظم الاقتصاد اليابانى التى بدأت فى الاستعانة بالمصانع والشركات الكورية الجنوبية وحققت حجم إنتاج ضخما بدأت تضخه إلى السوق الأمريكية، وقتها شجعت واشنطن مستثمريها للذهاب إلى الصين، التى تحولت خلال سنوات إلى دولة منتعشة من الطراز الأول. الجانب الصينى كذلك قام بدوره، حيث كان المستثمر الأمريكى يذهب طالبا منتجا معينا، فيتم توفيره له بدقة، فحدثت الطفرة الاقتصادية التى لم تكن لتتم فى الصين دون دفع أمريكا لاستثماراتها هناك.

باختصار علينا أن نبلغ واشنطن صراحة شكرنا العميق لمساعدتهم الاقتصادية والاعتذار عنها لأنها لا تحقق أيا من أهداف التنمية فى مصر، علينا إبلاغهم صراحة بأن مصر تكبدت وتتكبد سنويا أضعاف أضعاف هذه المساعدات فى مكافحة الإرهاب، والذى صدر إلينا من الخارج، فالمصريون يدفعون ثمن زعزعة الاستقرار فى المنطقة التى كانت إدارة بوش أحد أسبابها. فالمساعدات الاقتصادية حاليا «مش جايبة ثمنها»، إلا إذا كانت حقيقية وموجهة للمصريين وليس ضدهم، فهناك مليون طريقة لدعم الديمقراطية ليس من بينها تكريس الانقسام والخلافات فى المنطقة. وعلى واشنطن أن تدرك أنه لدى المصريين الكثير من المشاريع بدءا من البرنامج النووى وحتى مشروع بناء المتحف المصرى وصيانة الآثار، ولعل من البديهى أن يسعى الأمريكيون إلى تحقيق نتيجة ملموسة للمساعدات التى يقدمونها إلا أن عدم تخصيص مبالغ كافية «للمشاريع المهمة» من المساعدات الأمريكية أدى إلى نتائج غير ملموسة بدورها. على ذلك فإن الخيارات واضحة إما أن تستغنى مصر عن الفكة المتبقية مع خالص الشكر لواشنطن، لتصبح بذلك أكثر حرية فى تحديد نوع التعاون الذى تريده وبالتالى تثمينه وفق مصالحها القومية، وهو ما فعله رئيس الوزراء «الإسرائيلى» الأسبق «نتنياهو» عندما أعلن تخلى إسرائيل عن المساعدات الاقتصادية الأمريكية تحت قبة الكونجرس وأذكر أن أعضاء الكونجرس وقفوا له تصفيقا مرات كثيرة، ولكنه قبل أن يغادر واشنطن كان قد اتفق على مساعدات جلها عسكرية تتجاوز قيمتها قيمة المساعدات التى تنازل عنها أمام الكونجرس، والتى رحب بها الرأى العام الأمريكى.

كما أن هناك خيارا آخر يتمثل فى مواجهة واشنطن بمطالب مصرية لمضاعفة المساعدات مع ضخها فى مشاريع قومية بعينها، ولمزيد من الاستثمارات على الأراضى المصرية، وفى هذه الحالة فإنه على «الأمريكيين» دفع استثماراتهم بشكل قوى إذا كانوا جادين فعلا فى المساعدة؛ وتبنى مشروعات تنموية حقيقية.. مثل تنفيذ برنامج لمحو الأمية سيتكلف على الأقل 5 مليارات دولار سنويا، على مدى عشر سنوات، لمحو الأمية فى مصر تماما، وغيره الكثير الذى يمكن من خلاله برهنة واشنطن على جديتها فى دعمها لمصر وليس مجرد توزيع فكة.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home