Monday, June 22, 2009

روزاليوسف تدخل معسكر المعتقلون الأكثر خطورة في جوانتانامو

روزاليوسف تدخل معسكر المعتقلون الأكثر خطورة في جوانتانامو


لم يكن الدخول إلى قاعدة «جوانتانامروزاليوسف تدخل معسكر المعتقلون الأكثر خطورة في جوانتاناموو» الأمريكية سيئة السمعة أمرا بسيطا أو سهلا، بل مر بإجراءات شديدة التعقيد بدأت فى قاعدة «جاكسون فيل» للطيران بشمال شرق ولاية فلوريدا، حيث أقلتنا طائرة مؤجرة إلى سواحل كوبا الشرقية حيث قاعدة جوانتانامو التى لا تختلف طبيعتها القاحلة بسبب وقوعها أسفل مرتفعات حدودية تكاد تفصلها عن البلد الأم كوبا. ويحفل تاريخ خليج جوانتانامو بأحداث سيئة كللتها مؤخرا عملية «الحرية المستمرة» كجزء، بل أساس للحرب الأمريكية على ما يوصف بالإرهاب، وقد اعترف نائب مدير المعسكر البريجيدير جنرال «مارك لوسينى» فى أول يوم وصولى عندما كرر أن استمرار التحقيقات فى جوانتانامو أمر لا نهاية له مادامت الحرب على الإرهاب مستمرة، وتحديد مصير المعتقلين مرهونا بنهاية هذه الحرب! وأصر «لوسينى» على أن المعاملة التى يلقاها المعتقلون هناك لم تحدث فى تاريخ الحروب الملىء بالتجاوزات، جاء ذلك ردا على سؤال حول تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولى التى أظهرت وجود تجاوزات فى معاملة المعتقلين بمعسكرات الاعتقال بجوانتانامو تماثل التعذيب، وذهب رئيس منظمة الصليب الأحمر الدولية إلى أبعد من ذلك بالإعلان عن مقاضاة كبار المسئولين فى واشنطن، حيث لم يتلق ردا أو إجابات كافية على تساؤلات حول هذه التجاوزات بينما استمر المسئولون فى معسكر جوانتانامو فى التأكيد على عدم وجود تجاوزات ضد المعتقلين الذين ينتمون لاثنتين وأربعين دولة ويتحدثون سبع عشرة لغة، وفى محاولة لاستطلاع الأمر كان لابد من الذهاب إلى جوانتانامو للتعرف أو محاولة التعرف على حقيقة أحاطت بها أسلاك شائكة ممتدة عبر خمسة معسكرات اعتقال قسم فيها المعتقلون البالغ عددهم خمسمائة وخمسين معتقلا إلى مجموعات ثلاث أساسية كالآتى: معسكر اعتقال «1» وهو يضم المعتقلين «المتعاونين» فى التحقيقات، ويتم إلزامهم بارتداء ملابس لونها «بيج» والمقصود بالمتعاونين هنا، هو تجاوب هؤلاء مع المحققين الذين لا يكلون من الاستجواب منذ ترحيل هؤلاء المعتقلين بعد اعتقالهم فى أفغانستان فى أغلب الحالات. هناك أيضا معسكر اعتقال «2» ويضم 15% من المعتقلين وهو يعد أيضا من المعسكرات التى تضم المتعاونين الذين يتم منحهم مع معتقلى معسكر رقم «1» امتيازات قد تسحب منهم أحيانا وهو معسكر لا يختلف عن الأول من حيث طبيعة البناء، فهى عبارة عن زنزانة طويلة تضم سريرا مرتفعا، بينما الحوائط عبارة عن شبكة يمكن للحراس عبرها متابعة ما يحدث بالداخل وبها أيضا ماكينة مياه ومرحاض «أرضى» على الطراز البلدى القديم. صنع من الاستانلس ستيل، ولا يمنع الحال من وضع أحد المعتقلين المشاغبين فى زنزانة مقابلة حتى يدرك ويشاهد بعينيه كيف يحظى المتعاون بمعاملة خاصة مثل الحصول على كوب بعينه من الشرب مباشرة من صنبور صغير موصول بماكينة المياه الملاصقة للمرحاض، أو حصوله على مسبحة وصمامات للأذن تمكن السجين من التمتع ببعض الهدوء، أو الخروج إلى أقفاص أكبر وأكثر براحا للعب كرة القدم، وقد شاهدت أحد السجناء من المتعاونين يلعب كرة القدم بمفرده فى قفص كبير، بالمعسكر الأول وبالطبع كان ممنوعا أن أوجه إليه أى حديث، ولكننى سمعته يتحدث مع معتقل آخر فى ساحة لعب قفصية ملاصقة ويطلب منه الأخير أن يشوط الكرة رغم أن كليهما معزول عن الآخر بجدار سلكى! الغريب أن الأول كانت ملامحه أفغانية، بينما الآخر كانت لغته عربية بلكنة ثقيلة! فى هذا المعسكر توجد أماكن الاستحمام فى أقفاص خارجية مد فيها الدش من الخارج ووضعت شروطا لإلزام المعتقل خلال فترة الاستحمام حيث يترك انسياب المياه عادة لمدة عشر دقائق بتغطية الجزء الأسفل من القفص من الداخل لارتفاع لا يتجاوز وسطه حتى يتمكن الحراس من متابعته، إذ يقول الكولونيل «جيريسكو» إنه لا يسمح للحارسات «المجندات» بتجاوز ممرات الزنازين إلى المكان الذى يفضى إلى المكان المخصص للاستحمام حرصا على مشاعرهن، كما توجد بعض أوراق اللعب «الكوتشينة» و«الدومينو» و«الشطرنج» وتساءلت: هل يلعب كل سجين مع نفسه؟! أما معسكر الاعتقال رقم «3» فيضم المعتقلين غير المتعاونين على الإطلاق، ويمثلون 15% من إجمالى المعتقلين، الذين يرتدون ملابس من قطعتين لونها برتقالى، وعادة ما يتم تقييدهم، وهؤلاء طلبت الفرصة لأن أتفقدهم إلا أنه وحتى كتابة هذه السطور لم أحصل على رد، وإن كان البعض قد وعدنى بالمساعدة مع تحذيرى من شراستهم، وأن علىَّ أن أتوقع إذا ما أصررت على رؤية أحدهم يلقى بالبول المتجمع لديه فى وجوهنا أو أن يبصق علينا! كذلك نجد معسكر اعتقال «4» الذى يضم «الملتزمين والمتعاونين جدا» فى التحقيقات، وقد أتيحت لنا الفرصة لزيارة هذا المعسكر، حيث أصر المسئولون عنه على أن يشرحوا لنا كيف تتاح الفرصة لهؤلاء المعتقلين بالبقاء خارج زنازينهم المبنية لمدة تقترب من الثمانى ساعات يوميا، ورأيت كيف تم توزيعهم على غرف تضم الواحدة منها عدة أسرة، وقد منحوا ميزات مثل سجادة صلاة وأحذية رياضية لممارسة الرياضة «حصلوا عليها فى عيد الفطر» إلى جانب «شباشب» كما رأيت بعض هؤلاء وهم يقومون بنشر ملابسهم لتجف بعد غسلها «على الأرض» والبعض الآخر كان يحاول التحدث إلينا وسألنى أحدهم إن كنت من مصر والبعض الآخر منهم أشاح بوجهه فى الأغلب لأننى امرأة، وكان واضحا أن هؤلاء يتمتعون بروح معنوية عالية. أما معسكر الاعتقال الخامس فلم نر فيه أيا من المعتقلين وإن كنت قد لمحت أحدهم وقد وضع القرآن على نافذة زنزانته الزجاجية، وهذا المعسكر شديد الحراسة والتعقيد ويضم 50% من إجمالى المعتقلين، هذه الزنزانات التى برمجت أبوابها الفولاذية للإغلاق كهربائيا فيما وضعت على النافذة الضيقة على كل باب مرايا عاكسة حتى يستطيع المرء رؤية ما بداخلها دون أن يلحظ السجين ذلك، وتم تقسيم هذا المبنى الذى يدار بأحدث التكنولوجيا إلى عدة أجنحة، وفى الجناح الذى سمح لنا بزيارته توجد غرفة التحقيق وهى عبارة عن غرفة مزودة بكاميرتين لا يستطيع أحد ملاحظتهما إذ أحيطت كل منهما بدائرة زجاجية داكنة، حيث تتصل إحداهما بغرف المحللين ومسئولين أمنيين آخرين والأخرى متصلة بمركز حراسة المعسكر، وفى الغرفة وضعت طاولة منخفضة بين مقعدين أحدهما مثبت بالأرض يجلس عليه المعتقل، حيث يتم تثبيت قيود المعتقل عادة به، وفى هذا المعسكر أو المبنى الأشبه بالقلعة يوجد بعض العمال الذين كانوا يجرون بعض أعمال البناء داخله، كما يوجد تكييف هواء عالى الكفاءة وتم لفت نظرنا إلى عدم تصوير أماكن بعينها فيه، ولم تتح لنا فرصة زيارة كافة الأجنحة أو رؤية أى معتقل داخله. أيضا يوجد معسكر آخر يطلق عليه معسكر «إيكو» مخصص للمعتقلين بلجان التحقيق العسكرية التى تعيد تقييم الحالات والمحاكمات ومعرفة ما إذا كان يمكن أن يطلق سراحهم بناء على مراجعات أمنية ومعلوماتية وتحقيقات مستمرة، وما إذا كانوا يشكلون خطرا أم أنهم أعداء مقاتلون ينبغى الاستمرار فى اعتقالهم! أيضا أتيحت لنا الفرصة لمشاهدة عيادة خارجية ومنها عيادة أسنان كانت فى معسكر الاعتقال الخامس الأشبه بالقاعدة، حيث يثبت المريض بقيود وسلاسل إلى سرير علاجى وضع فى غرفة بها مرحاض وأجهزة طبية نظرا لوجود أدوات «خطرة» تخص طبيب الأسنان - حسبما قال مسئول المعتقل - وإن كانت الزيارة الأهم للمستشفى التى بنيت وبها غرفة عمليات بسعة أربعة وعشرين سريرا، وبها أطباء وممرضات، والمسئول عنها هو الكابتن «أدموندسون» الذى سألناه عن طبيعة ما يقال عن مشاركة الأطباء فى إعداد المعتقلين للاستجواب فنفى تماما أن يكون لهم دور سوى تقديم المساعدة الطبية للمعتقلين، وقال إن المستشفى شهد إجراء عمليات جراحية كبرى للمعتقلين منها عملية بالقلب وعملية استئصال ورم سرطانى وعلاج أحد المعتقلين أصيب بسرطان فى ثدييه، كذلك هناك كشف دورى ومتابعة للحالة الصحية للمعتقلين مع استجابة فورية لشكوى أى منهم من أية أعراض، كما أنهم أجروا عمليات «فتق»، ولعل أكثر الأمراض التى يعانى منها المعتقلون هى سوء التغذية. على أية حال، فالملاحظ أن من واقع المعتقلين المتعاونين والملتزمين يتمتعون بالصحة، وكثير منهم زاد وزنهم حسبما قيل لنا، ولقد شاهدنا ذلك واضحا عليهم، لكن لم نحصل على أية إجابات حول الآخرين ممن لا يتعاونون، وكيف تبدو حالتهم وهل يعانون الهزال والاكتئاب، وهل فعلا يتعرضون لتجاوزات إنسانية وتعذيب كما نشر مؤخرا! وكما أشارت تقرير الصليب الأحمر الدولية، بل إن تقريرا صادرا عن مسئول أمريكى كبير فى مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالى يؤكد ذلك لدرجة أن جريدة «النيويورك تايمز» وصفت الأمر بأنه شىء قاس وغير طبيعى ومهين، ويعتبر نوعا من أنواع الإرهاب لاسيما أنه يتضمن محاولات كسر إرادة المعتقلين بتحقيرهم والحبس الانفرادى وتعريضهم لدرجات حراسة منخفضة وإجبارهم على الوقوف بطريقة غير مريحة! بالطبع كل إجابات مسئولى جوانتانامو على هذا بالنفى التام كل شىء تمام وكل حاجة رائعة، وفى ثانى يوم من تواجدنا فى جوانتانامو بدأ تقرير مسئول الـ «FBI» يتسرب وهو التقرير الذى سجل ثلاث حالات من الانتهاك حدثت فى عام 2002 وأوقفها محققو الـ «FBI» أولها حالة قيام إحدى المحققات بإمساك الأعضاء التناسلية لأحد المعتقلين، كما قامت بلى أصابع يده بشكل مؤلم، وقد أرسل «توماس هارينجتون» نائب مدير مكافحة الإرهاب فى الـ «FBI» مذكرة بهذه الحوادث الثلاث إلى رئيس التحقيقات الجنائية فى الجيش الأمريكى ضد السيرجنت «لاسى» التى دخلت إحدى الزنازين وطلبت من أحد رجال المارينز تغطية طاقة المراقبة بشريط حتى لا يرى أحد ما يحدث، وتحدثت للسجين فى أذنه بينما كانت تضع كريما على يده. وشاهد مراقب الـ «FBI» من خلال الشاشات الموصولة بالكاميرا الداخلية بالزنزانة علامات الألم على وجهه المعتقل فقام لاحقا بسؤال رجل المارينز فأجابه الأخير بأنها أمسكت عضوه التناسلى وقامت بثنى إصبع المعتقل، وألمح المارينز أن هذا التصرف ليس أسوأ ما تعودت هذه المحققة على فعله. أما الحادثة الثانية فكانت عبارة عن تكميم فم أحد المعتقلين بشريط لاصق لأنه رفض أن يتوقف عن قراءة القرآن، وفى واقعة أخرى تم استخدام كلب لإخافة أحد المعتقلين والذى كانت تتم إنارة زنزانته بإضاءة مبهرة على مدى وقت طويل. ومن المعروف أن المجالس العسكرية التى أجريت إلى الآن ما يزيد عن «480» قضية معظمها اتخذ قرار الاستمرار فى اعتقالهم، ولم يفرج سوى عن شخص باكستانى وحيد، بينما مازال هناك سبعون معتقلا سيمثلون أمامهم. المثير فى هذه المحاكمات أن المعتقلين غير مسموح لهم بالاستماع إلا إلى الأجزاء غير السرية من عريضة الاتهامات الموجهة ضدهم، ولا يسمح لهم بتعيين محامين، حيث يعين لهم المجلس العسكرى محاميا عسكريا! وقد قام المعتقل الثانى الذى رفض الحضور بإرسال رسالة اعتراض «رد مكتوب» وكانت هذه المجالس قد تم تشكيلها بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا فى الولايات المتحدة حكمها بأحقية كل المعتقلين فى جوانتانامو فى المعارضة فى أمر اعتقالهم أمام المحاكم الأمريكية. وعلمنا أن هناك فريقا من منظمة الصليب الأحمر الدولية يقوم بزيارة المعتقل بشكل سريع وروتينى، وفى هذه المرة كانت لجمع خطابات المعتقلين إلى ذويهم، وهى الخطابات التى تراجعها إدارة المعتقل وتقوم بشطب الجمل والكلمات التى لا تعجبها وعندما سألنا عن أسباب هذا التصرف قالوا إنه لأسباب أمنية حتى لا يعرف أحد التفاصيل الجغرافية والأمنية لجوانتانامو! وعما إذا كان السبب هو ذكر أحد المعتقلين فى خطاباته بعض ما يتعرض له من انتهاكات قالوا أن الأمر يتعلق فقط بالحالة الأمنية! ولدى تمكيننا من الدخول إلى أحد المواقع التى يجرى فيها المحققون تحقيقاتهم المنتظمة والمستمرة مع المعتقلين شاهدنا أحدهم على شاشة تليفزيون داخلى، وتم إخفاء وجهه وصوته وكذا صوت المحقق والمترجم والأخيران ظهرا بظهريهما، وفى غرفة المحلل الذى عمل محققا لمدة عشرين عاما قبل أن يتفرغ للتحليل وجدنا سيدة يبدو أنها تساعده وينحصر دور المحلل فى متابعة ردود أفعال المعتقل وملامح وجهه وأجوبته، ويحللها عبر كاميرات فى غرفة مزودة بسبع شاشات ملحقة بسبعة أجهزة كمبيوتر ومسجلات، والذى نفى أن يكونوا كمحققين قد استخدموا أخبارا مزيفة للضغط على المعتقلين. وعندما سألنا إحدى المسئولات الأمنيات رفيعات المستوى والتى رافقتنا فى معظم الجولة عما إذا كان تم إخبار المعتقلين بفوز «بوش» أم لا.. أجابت: لا، وعندما سألتها: هل أخبرتموهم عن وفاة الرئيس عرفات أجابت: نعم، لقد قلنا لهم هذا، وتطوعت بإطلاعنا على لوحات إرشادية تحمل أخبار وصور المرشحين للرئاسة فى أفغانستان، وهى أشبه بمجلة الحائط المدرسية، وضعت عليها صور وأسماء «حميد قرضاى» وغيره من المرشحين وسط إحدى ساحات أحد المعسكرات التى يقطنها المعتقلون المتعاونون. وفى الوقت ذاته، فإن المحلل الأمنى الذى التقينا به عاد وأكد أن استمرار التحقيق مع المعتقلين مفيد «أشبه بتقشير البصل» كل قشرة تحتها قشرة أخرى، وأن التحقيقات مع البعض تتراوح ما بين تحقيق يومى أو أسبوعى، وأن لديهم نظام مراجعة الترجمة مرة ثانية، كما يتم تحليل حركة الجسم ولغة التعبيرات على الوجه، وتتفاوت الأمور بين المعتقلين.

حنـان البدرى

0 Comments:

Post a Comment

<< Home