Saturday, September 30, 2006

أمريكا وعدت مصر ببناء مفاعلين بعد كامب ديفيد ثم تراجعت

Saturday, September 30, 2006

أمريكا وعدت مصر ببناء مفاعلين بعد كامب ديفيد ثم تراجعت

واشنطن : حنان البدري

على مدى ما يقرب من ثمانية أشهر وفى لقاءات متفرقة مع عدد من المسئولين وصناع القرار الأمريكى بمن فيهم مسئولون كبار بالخارجية الأمريكية لم نلمس سوى الترحيب بضرورة اتجاه مصر نحو الحصول على تكنولوجيا سلمية نووية، بل ترحيب رسمى على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بمد يد المساعدة لمصر لتفعيل برنامجها السلمى النووى.

مصر فى حاجة لبناء ستة مفاعلات على الأقل لتحقيق مشروعها القديم لتوليد أربعين بالمائة من احتياجاتها من الطاقة الكهربية، وهى النسبة التى كانت قد خططت لتوفيرها قبل ثلاثين عاما حين أبرمت معاهدة كامب ديفيد ووعدت خلالها الولايات المتحدة مصر بتزويدها بمفاعلين نوويين قدرة كل منهما 2000 ميجاوات، لكن الفرصة ضاعت بعد تراجع الولايات المتحدة عن تنفيذ وعودها.

وهنا نجد أن أقصى ما يخشاه المرء أن يتم إعداد هذا المشروع بشكل يعتمد ولو بنسبة ضئيلة على تصورات ومعطيات كانت موجودة قبل ثلاثة عقود، أيضا من المقلق أن نقرأ عن تصورات مبدئية متوافرة حول طموح لبناء مفاعلات نووية سلمية لا تتجاوز طاقة كل منها ستمائة ميجاوات، فحاليا وحسب أحدث دراسات الجدوى الاقتصادية لمشاريع مماثلة ينصح بأن يتم الوضع فى الحسبان بناء مفاعلات تتراوح قدراتها ما بين 1200 و 1500 ميجاوات، لذا فأهم خطوة هى وضع مدى معقول لتوفير حاجة مصر من الطاقة عبر هذه المفاعلات لتغطية ما بين 40 و60% من حاجتنا من الكهرباء ولو على عدة مراحل، مع الأخذ فى الحسبان ألا يمر عام 2012 قبل أن يكون لدينا على الأقل مفاعل تم بناؤه داخل مجمع قابل للتوسعة، كما أنه من المهم أن يتم النظر نحو الاعتماد على أكثر من مصدر. «يحبذ ثلاثة مصادر على الأقل» للحصول على التكنولوجيا النووية السلمية وفق مميزات كل مصدر أمنى نسعى للحصول على تكنولوجيا من فرنسا المتميزة عالميا فى هذا المجال، لبناء أحد المجمعات، وعلى الولايات المتحدة فى بناء المجمع النووى الآخر، وعلى روسيا لبناء ثالث، وهكذا.

من ناحية أخرى، فإنه يتعين علينا الانتباه إلى أن الصين يمكن أن تكون مصدرا للحصول على الوقود النووى، لأنه معروف للعاملين فى المجال النووى أن الصين لديها سجل حوادث وعادة ما تبنى مفاعلاتها بناء على تصميمات منقولة عن النموذج الروسى، بمعنى أنه من المهم - وحسب ما يقوله أكثر من خبير دولى متخصص فى العلوم النووية - أن يتم الفصل بين مصدر الوقود وبين المصدر الذى سيساعدنا فى وضع تصميم هذه المفاعلات، وذلك فى إطار تنويع مصادر التكنولوجيا وعدم ربط مشاريع قوميةحساسة كهذه بمصدر واحد قد يكون له حسابات سياسية مختلفة مستقبلا، وفى نفس الوقت التأكد من حصولنا على المستوى الأفضل، فدولة ككندا لديها تكنولوجيا جيدة، وكذلك اليابان، وإن كانت الأخيرة تعرضت مؤخرا لحوادث مسجلة فى مفاعلاتها. بينما صار معروفا لدى العاملين فى المجال النووى أن الصين مازالت تواجه مشاكل فى عملية بناء المفاعلات، ودولا أخرى لا يوجد لديها سجل لمشاكلها مع هذه المفاعلات ويصعب بالتالى الاعتماد كليا على خبراتها.

من بين العوامل التى ينبغى وضعها فى الاعتبار كذلك اعتماد خطة أمان وصيانة فائقة تشمل تحديد الأماكن المناسبة لإنشاء المجمعات النووية بعيدا عن حزام الزلازل فى مصر الذى يبدأ من غرب الإسكندرية، ويمتد جنوبا إلى الصحراء، والاستفادة من جغرافية الصحراء الغربية، فأى موقع على يمين حزام الزلازل سيجعل المفاعل فى نطاق الأراضى الرخوة، وبالتالى سيكون الأمر مخاطرة، والعكس صحيح، أيضا ينبغى أن تشمل خطة الأمان مراعاة اتجاه الرياح، تحسبا لحدوث تسرب - لا قدر الله - فإن الهواء لن يحمل الملوثات نحو المدن والسكان، بل إلى الصحراء.

وبشكل عام فإن المفاعلات الحديثة لتوليد الطاقة الكهربائية نوويا تعتمد على الماء الخفيف وكلها مفاعلات يصعب استخلاص اليورانيوم 235 أو البولتونيوم المستخدم فى صنع القنبلة النووية، مثل مفاعل «بوشهر» بإيران وهو روسى التكنولوجيا، وينبغى وضع عامل الحفاظ على البيئة، كذلك فى الاعتبار أثناء تصنيع المفاعل، لاسيما فى عملية التخلص من «الحرارة الزائدة» Waste Heat وكانت عادة يتم التخلص منها فى الأنهار والبحار، ولكن تنبه العالم حديثا لخطورة ذلك بعد أن تبين تسببها فى موت الحياة البحرية والبيئية للأنهار والبحار. وفى هذا السياق فإن الخبراء يرون أن تسعى الحكومة المصرية لبناء مجمعات نووية قابلة للتوسع فى أماكن عديدة من مصر قريبة من البحر المتوسط والبحر الأحمر «السلوم - الضبعة.. وغيرهما»، وليست بعيدة عن شبكات الربط الكهربائى سواء للاستهلاك المحلى وتغطية احتياجاتنا من الطاقة الكهربية أو حتى مستقبلا لتصديرها إلى البلدان العربية الشقيقة مثل ليبيا والمغرب وأوروبا وتركيا وغيرها، فإذا استطاعت مصر بناء وامتلاك هذا المصدر الأساسى والآمن للطاقة فستتمكن، ليس فقط من تغطية احتياجاتها، بل أيضا وبيعها والحصول على عائد اقتصادى لا يستهان به.

وإذا أخذ فى الحسبان العمل على الحصول على تكنولوجيا نووية سلمية من عدد من البلدان «الناجحة» فى هذا المجال، فينبغى علينا أيضا أن نوفر فرصة الحصول على تكنولوجيا أمريكية جنبا إلى جنب مع الدول الأخرى المتاحة، وذلك ببناء مفاعل نووى من خلال الاستفادة من مبادرة الرئيس بوش التى أعلن عنها فى شهر فبراير الماضى لتوفير فرصة مهمة للاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية فى هذا المجال، وبمشاركة دول لها باع فى استخدامات الطاقة النووية السلمية وهى فرنسا وروسيا واليابان لمنح الدول النامية مفاعلات نووية صغيرة لتوليد الطاقة، حيث كانت الهند من أولى الدول التى أبرمت اتفاقا فى إطار هذه المبادرة فى مارس الماضى، ولعل هناك بعض الأصوات التى ترى فى الموقف الأمريكى تناقضا، ففى الوقت الذى تتجه واشنطن فيه نحو مبادرة كهذه، فإنها قد تفرض قيودا، وهو ما يفسره المسئولون الأمريكيون بأن المبادرة عمليا على المستوى السياسى مشروطة بتخلى الدولة المستفيدة عن أى طموحات نووية تسليحية، وبالتالى التخلى عن أى أنشطة تستهدف التخصيب أو التحويل بغرض تطوير أسلحة نووية، وقد أصبح ذلك ممكنا منذ فترة، فالتصميمات الحديثة للمفاعلات السلمية تعتمد على استخدام الماء الخفيف على عكس المفاعلات القديمة من ذات النوعية الموجودة فى روسيا وإسرائيل والتى ينتج عنها بولتونيوم «نظائر مشعة» بتنقية الوقود المستنفد خلسة، وبالتالى تتمكن هذه الدول من إنتاج قنابلها النووية.

وأوضحت مصر نواياها تماما بشأن برنامجها النووى السلمى الذى سيعتمد على تقنية التصميم الحديث باستخدام الماء الخفيف، ولذلك فإن الأقاويل التى يرددها البعض حوله لا مبرر لها، بل لا معنى لها، فمعظم هؤلاء لاسيما فى إسرائيل يعلمون جيدا هذه الحقيقة الفنية، ومع ذلك رأينا بعضهم قبل أيام يتشدقون بمزاعم تتحدث عن الخشية من برنامج مصرى نووى سلمى، فى إطار لا يخرج عن محاولة المزايدة والترويج لمزاعم يعلمون قبل غيرهم استحالتها. إذا كانت مصر قد تعرضت لتقويض برنامجها النووى الطموح قبل ما يزيد على العقدين، وهو ما نتجت عنه خسارة ما لا يقل عن مليارى دولار سنويا أى تقريبا حجم المساعدات الأمريكية لمصر، فالوقت وقبله الحاجة تفرض علينا التفكير فى إعادة إحيائه، واتخاذ خطوات سريعة لنكون أول المستفيدين من المبادرة الأمريكية.

فى الوقت الذى أوقفت فيه مصر برنامجها السلمى الذى سبق أن كانت قد اتفقت مع كل من الأرجنتين والبرازيل على تفعيله بانتظار الوعد الأمريكى الذى لم يتحقق أبدا، بل زاد عليه قائمة بأسماء أفضل علمائنا فى هذا المجال قدمتها الولايات المتحدة وحصلت على معظمهم للعمل لديها منذ ما يناهز الثلاثة عقود إذاً فمصر فى أمس الحاجة للحد من إهدار الغاز الطبيعى المستخدم حاليا كوقود لمحطات توليد الطاقة بديلا عن السولار والديزل. وتعد ثروة تدخل فى عداد المخزون الاستراتيجى، ناهينا عن التناقص فى إنتاج النفط المصرى، مع ملاحظة أن الغاز الطبيعى فى مصر لم تتم الاستفادة منه اقتصاديا حين أبرمت فى السابق عقودا منحت الشركات التى تقوم باستخراجه خمسين بالمائة من الغاز المنتج، مما اضطر الحكومة المصرية للاستمرار فى شراء نصيب هذه الشركات بسعر السوق، وبالتالى مثل عبئا ماليا على ميزانية الدولة. وقد يتحدث البعض عن مخاوف من التحول نحو استخدامات الطاقة النووية واحتمالات تعرض المفاعلات للانفجار، مثلما حدث فى تشيرنوبل مثلا، لكن هؤلاء فى الواقع يتحدثون عن تجارب دول لديها تصميمات قديمة لم تواكب الطفرة الهائلة التى تحققت فى هذا المجال، فمعروف أن المفاعلات الروسية وكذلك مفاعل ديمونة الإسرائيلى كلها مفاعلات ذات تصميمات أصبحت متخلفة عن ركب الطفرة التكنولوجية التى تحققت فى المجال النووى السلمى، بل على العكس فإن الأخطار التى تتهددنا من مفاعل ديمونة أكبر بكثير، ومعروف أيضا أن إسرائيل اختارت موقعا اتجاه الريح فيه - فى حال وقوع تسرب - عادة ما يكون باتجاه مصر، وليس باتجاه إسرائيل.

وبالتأكيد فإن إعادة برنامج مصر النووى السلمى إذا تم تصميمه بالشكل المعروف ضمن مبادرة بوش، فيجب أن يعتمد على خطة جادة تستهدف الوصول إلى توفير أربعين بالمائة من الطاقة الكهربية فى مصر على مرحلتين، الأولى تبدأ بإنشاء مفاعلات توفر 20% من الطاقة، وتليها مرحلة أو مرحلتان لتوفير ضعف هذه الطاقة بالاعتماد على تكنولوجيا دولية أخرى، ومن أماكن متفرقة ليست بالضرورة كلها من الغرب، لذا علينا التحرك وبأسرع وقت ممكن، حيث يستغرق بناء المفاعل الواحد خمس سنوات على الأقل، وإذا قدرنا أنه من النوع المطروح أمريكيا سيكون قادرا على إنتاج 750 ميجاوات، فإن الخبراء ينصحون بتحرك مصر نحو إنشاء مفاعلات أكبر فى سعة الإنتاج بقدرة 1500 ميجا، وإذا تم التفاوض مع واشنطن على مفاعلات من هذا النوع ستكون مصر فى حاجة إلى ثلاثة مجمعات توزع بالجنوب والشمال والوسط «غرب الفيوم»، على أن يضع المصريون فى حسبانهم لدى بناء كل مفاعل احتمالات التوسع مستقبلا بجوار كل موقع فى إطار توفير البنية التحتية للتوسع مستقبلا، وهو ما قد يوفر المليارات على المدى البعيد.

وينصح الخبراء فى الولايات المتحدة والذين تحدثنا معهم مطولا عن ضرورة أن تتفادى مصر عيوبا موجودة فى مناطق محطات الكهرباء المقامة حاليا على الأراضى المصرية، حيث إن معظمها تم بناؤه فى مناطق زلازل، وبالتالى التخطيط لدى بناء المفاعلات النووية على الجهة القريبة من النيل وبعيدا عن العمران أن تكون بعيدة أيضا وخارج نطاق حزام الزلازل، حيث يقسم العلماء العالم إلى ست مناطق زلازل، وبما أن مصر تقع فى أحد هذه النطاقات، فيمكن بناء المفاعلات بتصميمات تراعى تحمل الزلازل، وهو ما سيرفع تكلفة مشروع إقامة المفاعلات النووية السلمية قليلا، ولكنها ستكون أكثر أمانا، حين تصمم مبانى المفاعل لتتحمل مقدار «6» ريختر وخارج نطاق مناطق النشاط «السيزمى». وعادة يمكن لهذه التصميمات تحمل هزات مقدارها «8» ريختر، أيضا ينصح هؤلاء العلماء مراعاة اتجاه الريح لدى البناء وفق عوامل الأمان.

وبنظرة سريعة على سباق دول العالم نحو إنشاء المزيد من المفاعلات النووية لأغراض الحصول على طاقة غير مكلفة فسنجد تصاعدا ملموسا منذ أزمة الطاقة النفطية فى عام 1973، وذلك على مدى عدة موجات - إن صح الوصف - بدأت الموجة الأولى فى الاتحاد السوفيتى السابق ودول أوروبا، ثم هدأت على مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، لتظهر موجة جديدة، وتسارعت وتيرة بناء هذه المفاعلات عالميا مصحوبة بتقدم تكنولوجى وتقنى يستهدف الحفاظ على المخزون الاحتياطى فى مصادر الطاقة الأخرى فى هذه الدول. وهو تحرك استراتيجى محسوب، وبالنظر إلى عدد المفاعلات النووية التى تعمل حاليا حول العالم لتوفير الطاقة سنجدها قد وصلت إلى 443 إضافة لـ 25 مفاعلا يجرى إنشاؤها فى الوقت الحالى، وحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سنجد أنه فى العام الماضى فقط 2005 تم إنشاء 8 مفاعلات نووية فى اليابان وروسيا وأوكرانيا والهند وكوريا الجنوبية، وفى نفس العام بدأت كل من باكستان والصين وفنلندا فى بناء مفاعل واحد على الأقل. وسنجد أن كثيرا من الدول، بغض النظر عن ثرواتها الطبيعية ومخزوناتها من الطاقة كما فى حالة كندا، مستمرة فى الاعتماد على الطاقة النووية فكندا عدد سكانها قليل بالقياس مع مساحتها ومع عدد السكان فى عدة دول أخرى ولديها 18 مفاعلا نوويا. والهند كذلك التى بدأت تجاربها فى مجال الطاقة النووية بعد مصر لديها الآن 15 مفاعلا نوويا، ستزداد بموجب اتفاقية التعاون التى وقعتها مع الولايات المتحدة خلال زيارة الرئيس بوش للهند مؤخرا.

بينما تمتلك سلوفاكيا 6 مفاعلات، وجمهورية التشيك 6 مفاعلات، وسويسرا 5 مفاعلات، وبلغاريا 4 مفاعلات، وفنلندا 4 مفاعلات، أما الأرجنتين والبرازيل فكل منهما لديها مفاعلان وكذلك المكسيك وباكستان. أما الولايات المتحدة فهى أكبر الدول اعتمادا على الطاقة النووية من خلال 154 مفاعلا، تليها فرنسا 59 مفاعلا، واليابان 56 مفاعلا.

هذه البيانات توضح مدى وعى تلك الدول بمختلف تصنيفاتها من حيث التقدم أو التأخر، بمدى الحاجة إلى الحفاظ على مخزونها من الطاقة غير النووية، وضرورة توفير مصدر غير مكلف ونظيف للطاقة، لذا نجد أنه كان من الأفضل لمصر أن تتحرك ولو متأخرا من عدم التحرك على الإطلاق.