Saturday, August 28, 2010

المخطط الإسرائيلي لإحياء البحر الميت علي حساب البحر الأحمر

تحقيقات > المخطط الإسرائيلي لإحياء البحر الميت علي حساب البحر الأحمر

كتب حنان البدري

العدد 4290 - السبت الموافق - 28 أغسطس 2010

وكأن مصر ينقصها المزيد من محاولات المساس بمصالحها الحيوية، والتي تقع في صميم أمنها القومي، ففي الوقت الذي تحاول معالجة أزمة حوض النيل التي تستهدف العبث بمقدرات وحقوق مصر في مياه النيل والتي ساعدت عليها خطط تقسيم السودان، لتلهب الأوضاع في الفناء الخلفي لمصر، أصبح الباب الحدودي الشرقي قاب قوسين أو أدني من مشروع كارثي تمضي إسرائيل فيه حثيثاً منذ فترة لكن بهدوء وتحت لافتات تزعم محاولة إنقاذ البحر الميت وخلق مشاريع لتحلية المياه وغيرها، وهي محاولات تلقي دعماً دولياً من جهات معروفة يتصدرها البنك الدولي والذي سيكون الممول الأساسي لهذا المشروع «التآمري» دون أية مبالغة.

شهر أكتوبر المقبل تحدد كموعد لاجتماعات محلية أخيرة تضم إسرائيل والأردن والفلسطينيين جزئياً لطرح ما وصفوه بأنه تساؤلات حول برنامج دراسة هذا المشروع المشبوه وذلك قبل إصدار التقرير النهائي والذي تقرر له ديسمبر المقبل موعداً، والملاحظ أن في آخر البيانات التي صدرت قبل أيام حول المشروع قد حملت معلومات دون تفاصيل حول هذه الدراسة قد رحلت موعد تقديم الدراسة النهائية للآثار البيئية المترتبة علي هذا المشروع الذي تنتوي إسرائيل من خلاله سحب وضخ 2 مليار متر مكعب من مياه البحر الأحمر إلي البحر الميت (المتر المكعب = طنا من المياه) وهو الأمر الذي سيقضي دون محالة علي المحميات الطبيعية والشعب المرجانية والحياة البحرية النادرة في مصر من رأس محمد وحتي كامل خليج العقبة، حيث سيتسبب السحب في زيادة سرعة التيارات المائية الموزونة طبيعياً علي مدي آلاف السنين.

الملاحظة الأهم هي تجاهل مصر والسعودية مع أنهما الدولتان اللتان تمتلكان معظم طول الساحل علي خليج العقبة شرقا وغرباً فيما أن إسرائيل والأردن ليس لديهما سوي عدة كيلومترات والملاحظ أن تغييراً قد تم علي رسوم المشروع التي سبق تقديمه قبل عدة سنوات ليكون خط نقل المياه معظمه في الشرق أي بالأردن ثم قبل الوصول إلي البحر الميت يدرج إلي داخل أراض تحت سيطرة إسرائيلية، فهل هذا التغيير استباقاً لتحميل الأردن المسئولية الكارثية المتوقعة!

القصة ليست جديدة بل هي نتاج تخطيط إسرائيلي قديم بدء عملياً بعد حرب 67 حين أدركت إسرائيل أهمية خلق خط عبور بديل لقناة السويس بعد إغلاق مصر لمضيق تيران مباشرة قبل حرب يونيو ساعتها قدم «يوفال نئمان» - عالم الذرة الإسرائيلي - المشروع الذي أسماه «بنهر الطاقة الإسرائيلي» وكان يقترح حفر قناة مائية من البحر المتوسط جنوب غزة وتحديداً في القطيف وينتهي في موقع سعدة جنوب الساحل الغربي للبحر الميت.

إلا أن الفكرة تطورت لاحقاً وزادت المطامع والمصالح الإسرائيلية الاستراتيجية والجيويولوتيكية والاقتصادية لتقترح ما يسمي بإنقاذ البحر الميت من الجفاف وإقناع الأردن والفلسطينيين بتوصيل مياه البحر الأحمر وخلق محطات تحلية مياه وصناعات ومناطق سكنية وتجارية حول المشروع إضافة لمحطات توليد كهرباء.

هذه الأفكار البراقة التي قد يكون الأردن أو الفلسطينيون مجبرين علي الاقتناع بها لا يمكن للمطلعين علي حقيقة الأمور الاقتناع بها فإسرائيل هي المسئولة الأولي عن جفاف البحر الميت حيث دأبت منذ سنوات طويلة علي سرقة الروافد الطبيعية للبحر الميت والتي كانت تأتيه جوفيا من مياه الأنهار لاسيما من جوف نهر الأردن بل وعمدت إلي ضخ مياه عادمة هي مياه المجاري، وبعد أن كان نهر الأردن مصدر 3,1 مليار متر مكعب سنوياً من المياه العذبة إلي البحر الميت، أصبح نصيب البحر التعيس 155 مليون طن سنويا من مياه عادمة ومالحة.

لذا فكرت إسرائيل في أن تقوم بمشروعها علي أساس تأجيل فكرة توصيل المتوسط بالبحر الميت «مؤقتاً» وحيث يمكنها في أي وقت القيام بهذه الخطوة التي ستكون علي أراض تحت سيادتها في أي وقت، أما الآن فالمهم هو الخطوة الأساسية وهي توصيل البحر الأحمر بالبحر الميت، وليس مهماً تدمير السياحة والحياة البيئية في جنوب سيناء وخليج العقبة.

بل سيصبح هذا لاحقاً هدفاً متحققاً بواقع الأمر حين تتمكن إسرائيل من خلق «بوابة شرق جديدة» في هذا المكان الممهد لحفر ما يوصل المتوسط بالأحمر كبديل عن قناة السويس، ولحين حدوث ذلك فسوف تنفذ خططها الطموحة لإعادة بناء خط سكك حديدية يصل العقبة بالخليج والعراق بميناء حيفا وخلق مجتمعات إسرائيلية جديدة في مقاطعة مقفرة لاسيما في صحراء النقب وأيضاً التسريع بإحياء مشروع «تيب لاين» لنقل البترول بشكل مستقيم وأسرع دون الحاجة لناقلات نفط أو لقناة السويس.

الموقف جد خطير والتحرك المصري المضاد مطلوب بسرعة هذه المرة ضد هذا المشروع الكارثي، دون التهويل أو التهوين من شأن هذا المشروع والدليل علي ذلك ما يلي:

ادعاء إسرائيل أن هدفها من المشروع تحلية المياه غير صحيح لأن ملوحة مياه البحر الأحمر تزيد 72% عن ملوحة المتوسط، فلماذا تكلف نفسها عناء مالياً وصناعياً باهظاً كهذا، إذا كان هدفها فعلاً هو تحلية المياه أو حتي من أجل زعمها بحرصها علي تخفيض ملوحة البحر الميت وإنقاذه.. ألم يكن أسرع لها وأفضل توصيل الميت بالمتوسط؟!

توصيل المياه من المتوسط للميت لن يزيد طوله عن 80 كيلومتراً وفي أرض سهلة الحفر في حين أن توصيلها من البحر الأحمر للميت سيمتد لما يزيد عن 320 كيلو مترا وعبر أراض صخرية ونارية ويصل ارتفاعها في بعض المناطق إلي مائتي متر!!

أيضاً يحق لنا هنا النظر في أغراض إسرائيل الأخري للحصول علي كميات من مياه البحر لزيادة قدرتها علي صنع المزيد من الوقود النووي لمفاعلات ديمونة التي زادت طاقتها من 6,2 ميجاوات إلي 150 ميجاوات حالياً، وهو ما سيؤدي إلي إنتاج المزيد من النفايات النووية السامة والتي ستؤثر قطعاً ليس فقط علي مياه البحر الأحمر بخليج العقبة بل علي جميع أنحاء هذه المنطقة.

علي أية حال فإنه إذا كان بمقدور إسرائيل دوما أن تفلت بمشاريعها المدمرة وباستخدام شعارات تتحدث عن التنمية والتطبيع والسلام بينما كعادتها علي أرض الواقع تستمر في مشاريع تدمير وحصار كل من حولها فإن لدينا الحق في الدفاع عن أمننا القومي بكل الطرق وسيكون العالم معنا حين نهرع ليس فقط لحماية أمننا القومي بل ولإنقاذ أجمل البقاع البحرية في العالم من التدمير والتي ستدمر في غضون سنوات قليلة حدائقها المرجانية النادرة والهشة حسب تعبير إحدي دراسات الجدوي للمشروع والذي قام عليه خبراء إسرائيليون ويمكن اعتبار ما تقدم هو بلاغ لسرعة التحرك لمواجهة المخطط الإسرائيلي الشيطاني حفاظاً علي أمن هذا الوطن!