Saturday, January 19, 2008

بوش : العرب يروننى صانعا للحرب ومحبا لإسرائيل لكن كل قراراتى لحماية أمريكا

بوش : العرب يروننى صانعا للحرب ومحبا لإسرائيل لكن كل قراراتى لحماية أمريكا
والسلام

كتبت : حنان البدري

لعلها المرة الأولى التى يعترف فيها الرئيس الأمريكى بمعرفته بمشاعر الشارع العربى والإسلامى تجاهه، باعتباره «صانع حرب» ومواليا ومحبا ولهان لإسرائيل. «أنا متأكد أن الناس ينظرون إلى كمحب للحرب، بينما أنظر لنفسى على أننى صانع سلام، وهم ينظرون إلى كموال لإسرائيل فى نفس الوقت الذى أجد نفسى أول رئيس أمريكى نطق بحل الدولتين .
كلمات بوش تلك والتى وجهها بالأساس للرأى العام الأمريكى جاءت فى الوقت الذى كشف فيه عن أسوأ تقييم لأدائه وأداء إداراته منذ وصوله للحكم، والغريب أن الرئيس بوش جادل ردا على سؤال بأن العرب والأمريكيين على السواء لا ينظرون إليه كصانع للسلام، جادل بأن الكلمة فى نهاية الأمر ستكون للتاريخ، وبأنه يؤمن بأن القرارات التى اتخذها كانت ضرورية لحماية أمريكا وصنع قاعدة للسلام .. بوش الذى أحزنه أن تصله شكاوى من رجال أعمال عرب من مشاكل تعرقل استثماراتهم فى أمريكا أو دراسة أبنائهم، ومن ارتفاع سعر البترول، ما يقلقه سوى رغبة إدارته فى الحصول على أقصى ما يمكنه من القاهرة تجاه قضايا بعينها، والتأييد المطلق لتوجهاته لمحاصرة إيران وسوريا وحماس ولا بأس من التلويح بعدم قدرته على فعل شىء فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية لمصر، نظرا لأن الأمور كلها لا تكون بيده، بل بيد الكونجرس أيضا الذى يرغب فى رؤية الديمقراطية والحرية تتحقق على يد المصريين وفق زعمهم!

عما إذا كانت المساعدات الاقتصادية لمصر ذات جدوى، أم أنه حان الوقت للاستغناء عن هذه «الفكة»، لاسيما أنه من السهل جدا تعويضها، يكفى أن تزيد مصر سعر تأشيرات الزيارة، وبحسبة أخرى صغيرة سنجد أن فرض رسوم إضافية لتأمين وحماية البيئة- وهى حقنا- على السفن النووية ( الأمريكية) التى تعبر قناة السويس دوما، فى الوقت التى تمنع دول كبرى حليفة للولايات المتحدة مرور مثل هذه السفن بالقرب منها ، أمر ضرورى. باختصار فإن العلاقات المصرية - الأمريكية بغض النظر عن الانتخابات الرئاسية فى واشنطن وعن هوية القادم الجديد إلى البيت الأبيض، تسير باتجاه يستلزم على المصريين التوقف برهة واتخاذ قرارات وسياسات مستقلة ومختلفة عما دأبت عليه فى الماضى القريب، لأن المتوقع وعلى مدى السنوات القليلة القادمة لا يدعو أبدا إلى التفاؤل.


Saturday, January 05, 2008

خريطة المصالح الأمريكية فى زيارة بوش للشرق الأوسط


كتبت : حنان البدري


ا يدهشنى كثيراً ما ردده الرئيس الأمريكى جورج بوش حال وصوله لإسرائيل، فتأكيده يهودية إسرائيل، وضرورة حماية أمنها، ليس بالشىء الجديد وسبق أن قاله مراراً، ما يدهش المرء حقاً هو إصرار البعض فى مصر وعالمنا العربى على لوم الرئيس الأمريكى ومخاطبته بلغة لا يعرفها لا الرئيس بوش، ولا الأمريكان، فالشهامة نبل العربى، واستعطافه لتبنى جانبى الحق والعدل، كلها أشياء وثقافة لا يفهمها بوش ولا إدارته ولا الكونجرس، ولا أحد فى أمريكا يفهم سوى لغة المصالح، ويكفى أن نتذكر هنا كيف تراجع الكونجرس الأمريكى وبسرعة «ولحس» مشروع قانون حول مذابح الأرمن، وكيف تحركت الإدارة الأمريكية وبسرعة لتلافى غضب تركيا، ولم يكن فى الأمر سر، إذا تحدثت أنقرة باللغة التى تفهمها واشنطن وهى لغة المصلحة، مصلحة الولايات المتحدة فى علاقات جيدة مع تركيا التى تتاخم العراق، وتفتح مجالها الجوى للطيران العسكرى الأمريكى، وتمتلك دفة الأمور فى موقع استراتيجى مهم للمصالح الأمريكية.

الاعتذار الأمريكى جاء سريعاً ومعه هدية استرضاء تتمثل فى معلومات استخباراتية مستمرة، ووافية عن أكراد تركيا المنشقين فى شمال العراق، ولن أتوقف كثيراً عند مثال تركيا، ولكن إذا استعرضنا زيارة الرئيس الأمريكى للمنطقة، وهى الأولى لإسرائيل كرئيس سبق أن زارها حين كان مرشحاً للرئاسة، وطبعاً معروف السبب.. سنجد قضايا رئيسية وأساسية تمثل مصالح الولايات المتحدة التى يريد الرئيس الأمريكى وإدارته التأكد من سيرها وفق ما يخططونه ضمن مصالح أمريكية محددة، وللعلم فهى مصالح تحدد سلفاً ووفق خطة عامة للأمن والمصالح القومية، تحدد قبل عقد على الأقل، وتكون وظيفة الإدارة الأمريكية- أيا كانت- تنفيذها ويجوز أن تضيف أو تصبغ هذا التنفيذ بنكهة أدائها.. كالحال فى إدارة بوش وتشينى التى تؤمن بأسلوب فرد العضلات مع بعض من الصلف والبطش أحياناً كثيرة، لكن عليها دوماً ألا تحيد عن تنفيذ الهدف الرئيسى فى توسيع مدى زمام النفوذ الأمريكى العالمى باتجاه الشرق وحتى شمالى شرق العالم مروراً بطريق الحرير ووصولاً للصين، لاستكمال مشروع إمبراطورية أمريكية سياسية واقتصادية وعسكرية ممتدة حول العالم. أيضاً كمثال على هذا رأينا كيف أنه فى عهد الرئيس السابق بيل كلينتون جرى تقسيم وتوزيع مناطق العالم تحت إدارات عسكرية بوزارة الدفاع البنتاجون، كل منها تختص بمتابعة جزء من العالم.. وأضيف إليها مؤخراً فى عهد بوش قيادة أفريقيا لتنضم للقيادة المركزية والأوروبية واللاتينية.. إلخ.

عودة لزيارة الرئيس بوش للمنطقة سنجده وقد حددت أمامه أهدافها، وهو فى تصريحاته لم يخض فى التفاصيل التى قد تحرج بعضا من حلفائه لاسيما فى الخليج، لكنه كان واضحاً، فالملف الأول والأهم هو إيران وخطر إيران، وهو الموضوع الأهم الذى استعرضه الإسرائيليون الذين عرضوا عليه أفكارهم حول كيفية مواجهة إيران، عرضوا عليه بعض ما يقولون أنه معلومات حول نووى إيران، وليس خافياً ما ردده إسرائيليون آخرون حول محاولتهم لإقناع بوش، بأن ضربة استباقية ضد المواقع النووية فى إيران، يمكن أن تكون فاعلة فى حالة فشل الجهود الدبلوماسية، والواقع أن إسرائيل من أجل إنجاح هذه المحاولة، على الرغم من إشارة أمريكية خطيرة بتفهمها لقناعات تل أبيب، بادرت بالتحذير من احتمال لجوئها إلى حلفائها الأوروبيين إذا لم تبادر واشنطن بتبنى وجهة النظر الإسرائيلية، وهو التحذير الذى جاء فى صيغة تصريحات إسرائيلية، تزعم بأن مدى الصواريخ الإيرانية بات يهدد أوروبا، أما الإشارة الخطيرة فقد كانت فى إعلان سلاح الطيران الأمريكى بنجاح تجربته فى تركيب قنبلتين على متن طائرات الشبح من طراز B- 2، والقنبلتان من نوع «أم القنابل»، أكبر القنابل بالعالم تزن الواحدة منها ثلاثين ألف رطل، وهى مصممة لتدمير الملاجئ الآمنة تحت الأرض، الإشارة وإن كانت واضحة وهى أن هذا الإنجاز يمكن أن يستخدم لتدمير برنامج إيران النووى إذا اقتضت الضرورة، والضرورة هنا ليست استمرار البرنامج النووى الإيرانى من عدمه، بل فى حتمية التخلص من النظام الإيرانى الحالى، ووجود جميع الاحتمالات على الطاولة بدءاً من إحداث التغيير داخلياً، وحتى قيام الشرطى الأمريكى والغربى بالمنطقة، أى إسرائيل بالضربة نيابة عن واشنطن، بالطبع فإن إسرائيل لن تبذل جهداً كبيراً للحصول على وعد أمريكى بهذا التخويل فى عملية السلام، أى الهدف الثانى للرئيس الأمريكى، فهو مصلحة أمريكية أخرى تتمثل فى رغبة واشنطن فى رؤية «هدوء نسبى» مطلوب بالمنطقة لتتفرغ لمشروعها الكبير، لذا فبوش لن يردد أكثر من أمنية بحدوث سلام- «فى الحقيقة هدوء نسبى»- قبل نهاية مدته، ولا بأس من استخدام عبارات تحمل مطالبات بإزالة «شوية» مستوطنات متحركة يسارع الإسرائيليون بصنعها ثم استخدامها - كورقة تنازل غالية- وبالطبع كلام بوش حول المستوطنات لا يمس مستوطناتهم غير الشرعية والكبيرة بالضفة والقدس الشرقية.
وسوف يحصل الرئيس الأمريكى على ما يريد من العرب على الأقل، فهو يريدهم أن يتحملوا التكلفة المالية للسلام المفترض، وقبلها المسئولية عن تهدئة الأمور على الجانب الفلسطينى، وإزالة ما يزعج إسرائيل، والأهم هو قبول التسوية أى فرض التسوية والتطبيع العربى الكامل مع إسرائيل لإظهار حسن النية(!)- إن بوش الذى استقبلته إسرائيل استقبال الأبطال، استحق عن جدارة هذا الاستقبال الحار كيف لا، وهو الرئيس الأمريكى الأكثر وفاءً وحباً لإسرائيل- حسب إعلان زعماء إسرائيل أنفسهم- فهو الرئيس الأمريكى الأول الذى تم فى عهده وعلى يده، إعادة تعريف الصراع العربى الإسرائيلى، وألغيت أتوماتيكياً بموجب ذلك فعالية القرارات الدولية وشرعيتها، وتحولت إلى أرقام تضاف أحياناً إلى الخطابات الرسمية لا أكثر ولا أقل.

سمعنا للمرة الأولى عن خارطة الطريق وحل الدولتين،وهى التعريفات الجديدة التى حلت محل الشرعية الدولية، واستخدمت فى صياغة ما أوحى بتحقيق العدالة «لفظياً فقط» للفلسطينيين، وصدق العرب، الأمر الذى كان لا يخرج عن كونه تصوراً إسرائيلياً بالأساس، لذا إذا خرج بوش من هذه الزيارة بوعد عربى بالتطبيع وتحميل العرب العبء المالى للتمويل، مقدماً لتسوية غير محددة، فستكون بذلك قد سقطت آخر أوراق اللعبة من أيدى العرب، وفى كل الأحوال سينتظرون سلاماً لن يحدث إلا ما بين أعوام 2020- 2040- إن أحيانا الله- ليكون عمر الصراع قد اقترب من قرنه الأول «مائة عام» ليختفى موتاً وقضاءً وقهراً، هؤلاء الذين لايزالون يحملون بأيديهم مفاتيح منازلهم التى طردوا منها فى حيفا ويافا ونابلس والقدس، وكل فلسطين، وبالتالى تسقط صفة اللاجئين التى تكرسها الدولة اليهودية، ويتم التغلب على الخط الديموجرافى، وليبقى أبناء اللاجئين وأحفادهم حيث هم وحيث لا تورث المفاتيح. أيضاً وفى زيارته لمنطقة «الخليج»، فإن بوش سيواصل الدفع بمصلحته فى تغيير النظام الحالى فى إيران، وبمصلحته المالية والدفاعية فى بناء حائط صواريخ الباتريوت بالخليج وعلى حساب العرب، وهو الحائط الذى تعتبره واشنطن خط الدفاع الأول عن إسرائيل، ضد أى ضربة انتقامية إيرانية لإسرائيل، لذا حملت محطات بوش بالخليج التوقف لتفقد القوات الأمريكية بالكويت والبحرين وغيرهما.
بوش لن يترك ورقة الديمقراطية التى سبق أن استخدمتها إدارته طويلاً، حيث سيتوقف للتحدث عنها فى أبو ظبى، وضمن برنامجه لقاء نساء عربيات بالكويت قبيل توقفه الطويل بالسعودية، وهو اللقاء الذى يكاد يكون رسالة مكشوفة واستباقية للسعودية حول أحوال نسائها لاسيما بعد حادثة الفتاة المغتصبة.. ولا يمنع أن يكون ملفاً آخر سيهتم الرئيس الأمريكى به، وهو الملف الأزمة فى باكستان ضمن ملفات البحث مع السعوديين الذين تربطهم صلات عسكرية قديمة ووطيدة مع إسلام آباد.

إذا كانت هذه هى خارطة مصالح واشنطن التى سيناقشها الرئيس الأمريكى فى جولته ببلادنا، فإن السؤال الذى يبادرنا هنا عن خارطة مصالحنا نحن، ويكفينا أن نتأمل تصريحات كونداليزا رايس المتضاربة لكل من الـ BBC، ثم صحيفة الجوريزاليم بوست حول مصر، وانتقاداتها لجهود مصر فى مراقبة حدودها ثم عرضها تقديم مساعدات لمصر لمراقبة حدودها نجد أنه أمر جد مؤسف، ويستحق وقفة حاسمة، الأمر لا يحتاج إلى موقف دفاعى، فأمريكا بجلالة قدرها غير قادرة على حماية حدودها، والتعامل مع تسلل المهاجرين من الجنوب.. وإذا نظرنا إلى باكستان، فإنها ستحصل على ما يزيد على الخمسة مليارات دولار فقط لمحاربة ما يسمى بالإرهاب فى مناطق القبائل الحدودية تصرف من الخزانة الأمريكية - للعلم صرف معظمها فى التسليح التقليدى للجيش الباكستانى ولأغراض أخرى غير محددة.. نجد أن الأمر أكثر سوءاً. ومع احترامنا لكل مصالح أمريكا وملفات بوش التى أتى بها، فإن مصالحنا أهم- وهذا بالمناسبة أمر تتفهمه الثقافة الأمريكية جيداً- قد تغتاظ منه لكنها تحترمه.. من مصلحتنا أن نشكرهم على قلة مساعداتهم الاقتصادية التى باتت بالسالب وأن نتوقف عن المطالبة باستمرار حصولنا على «بركة» هذه الملاليم ، وقد سبق وفى هذا المكان أن طالبت بأن نعتذر عن «فكة» المساعدات الأمريكية قبل أكثر من عام، وأن نطالب بزيادة المساعدات العسكرية، وساعتها يمكننا أن نعرف مصالحنا وأن نحصل على أضعاف هذه الفكة، فعبر قناتنا تمر سفنهم بحمولات تستدعى تسديدهم لمئات الملايين من الدولارات، وفق قوانين التأمين البحرى والحماية من التلوث لاسيما أن جهودنا الإقليمية لا يمكن أن تثمن سوى بمصلحة وأمن مصر القومى.