Sunday, October 31, 2010

أمريكا وتقسيم السودان ومياه النيل

الراى > أمريكا وتقسيم السودان ومياه النيل

كتب حنان البدرى

العدد 1632 - الاحد - 31 اكتوبر 2010

تلقيت الأسبوع الماضي دعوة لحضور اجتماع عقد بأحد الفنادق المقابلة لمبني وزارة الدفاع الأمريكية مع مسئول أمريكي كبير وحامل ملف السودان، الحضور كانوا ممثلين للجالية السودانية وممثلي المنظمات السودانية الأمريكية بالعاصمة الأمريكية، وفي معرض المناقشة المفتوحة التي امتدت لما يزيد علي الساعتين.

استلفت نظري ثلاث إشارات مهمة لهذا المسئول الذي استوقفتني صراحته المتناهية وغير المسبوقة ربما لخلفيته العسكرية، الأولي كانت حول حصة مصر من مياه النيل، والثانية كانت حديثه عن تقسيم بدا وكأنه أمر واقع لا محالة، والثالثة إشارته إلي مناطق جديدة بالسودان علي السمع من قبل مسئول أمريكي رسمي كمنطقة قبائل اليجاف شرق السودان.

حديث المسئول الأمريكي حول المياه التي تتحصل عليها مصر رغم حرصه علي الافراط في شرح مدي عمق العلاقات الأمريكية مع الحليف المصري، كانت مقلقة ، فقد أشار بضرورة أن تعيد مصر النظر في مسألة استهلاكها للمياه وترشيدها لأن «الأمور» تغيرت ولم تعد كما كنت.

وهي جد إشارة خطيرة أعادتني إلي ذات الموضوع المؤلم، حين نشرنا في «مجلة روزاليوسف» منذ العام 1998 محذرين من خطورة ما يتم التخطيط له جنوباً وحيث حدود أمننا الاستراتيجي القومي سواء بالنسبة لمياه النيل أو لمخطط تقسيم السودان.

بل ونشرنا خريطة توضح شكل السودان الجديد المقسم إلي خمس دويلات بما في ذلك تعديلات في الوسط لضمان دخول ابياي الغنية بالنفط إلي حدود الدويلة الجديدة المزمعة بالجنوب.

وكيف أن متوالية تقسيم السودان تستهدف إلي جانب الاستحواذ علي مقدرات وثروات هذا البلد الغني تطويق مصر جنوباً والتحكم في مصدر الحياة وشريانها «النيل» ساعتها اتهمني كثيرون بما فيهم بعض الزملاء بمركز دراسات الأهرام باعتناق نظرية المؤامرة، وبالغوا في الأمر لدرجة السخرية.

ووصل الأمر بوزير الري السابق الذي حذرناه من مغبة اللعب باتفاقيات تقسيم المياه وحصن مصر القديمة، وكان في طريقه إلي المطار للذهاب لمؤتمر مشبوه حول الأمر ذاته تمهيداً لتغيير هذه الاتفاقيات بتدخل غربي سافر وإسرائيلي مبطن وصل الأمر به إلي أن أصر علي نشر رد نعم علي تحذيراتنا في الصفحة المقابلة لموضوعي المنشور من منطلق استخدام حقه في الرد!! ألم تكن تلك السنوات الطويلة (12 عاماً) كافية لكي تنتبه للخطر القادم!! وكيف غاب عن مصر الربط بين خطط تقسيم السودان «الباب الخلفي» لأمن مصر وبين مخططات التحكم في عصب الحياة للبلد الأكبر بالمنطقة.

0إن العد التنازلي من منطلق تقسيم السودان بالاستفتاء المزمع في يناير المقبل بدأ بالفعل، لكنه لن ينتهي عن سودان شمال مسلم، وعربي وسودان جنوبي أفريقي يقولون إنه سيكون مسيحياً أفريقياً رغم أن تعداد المسيحيين به لا يتجاوز 15% من تعداد السكان وحيث كان التقسيم والتفتيت علي أساس الهوية الدينية والأثنية.

وهو كارت قديم ومعروف وسبق للمستعمر البريطاني استخدامه منذ أوائل القرن الماضي، سوف يتوالي سقوط الدومينو فبعد التقسيم شمالاً وجنوباً، سيكون هناك تفرغ لتقسيم دارفور الذي عجزوا عن تقسيمه علي أساس ديني بعد أن فوجئوا بأن سكان دارفور المتصارعين مسلمون واستعاضوا عن ذلك بتقسيم اثني علي أساس عرب وأفارقة بالثروة التي تقبع في جنوب دارفور وتحديداً في حفرة النار أو ما اسميناه بحفرة اليورانيوم يسيل اللعاب لها وهي ليست نفطاً بل واحدة من أكبر مواقع العالم التي تحتوي علي مخزون ضخم من اليورانيوم النقي، وبعد دارفور وربما بالتوازي معها سيتم تعجيل مخطط تأليب الساحل الشرقي السوداني والممتد ما بين بورسودان وحتي كسلا وباتجاه الحدود الاريترية حيث قبائل البجا، وحيث معقل (مؤتمر البجا) ومتمرديهم الذين سيلقون دعماً غربياً مسانداً تماماً كما حدث مع متمردي الجنوب.

أما عن ابيي الغنية بالنفط والتي تم خصيصاً إعادة رسم خارطة الحدود المرسومة أصلاً للتوصل بين الجنوب والشمال لضمان دخول ابيي إلي المناطق الجنوبية حيث سهولة عودة الشركات النفطية الكبري فإن زيارة المبعوث الأمريكي سكوت جريشن والتي بدأت الأربعاء إلي السودان ستكون مخصصة لحسم أمرها وتماماً كما يريد السيد الجديد.. علي أية حال فإذا كانت متوالية تقسيم السودان تبدأ في يناير، وإذا كنا للأسف متأخرين لدرجة لا تبشر بأي خير.

وإذا كان الثمن من أجل انقاذ شخص واحد أو أشخاص باستخدام عصا المحكمة الدولية هو ضياع بلد بكامله، لن تصبح مستقرة بأي حال من الأحوال وحيث ستصبح حدودنا الجنوبية عبارة عن دويلات معدومة من مقومات الدولة تأكلها صراعات منتظرة علي السلطة والثروة، بما في ذلك الجنوب الجديد المتوقع والذي لن تتواني أكبر قبيلتين فيه عن معاودة القتال فور الانفصال حيث ستكون الغلبة لمن يمنح تسهيلات أكبر للغرب مقابل الحماية.

إذا كان هذا هو المشهد المتوقع، فلا أقل من أن نحاول «نحن» قراءة ما بين سطور تصريحات مسئولي هذا الغرب، ولن أقول «تحليل» توقعات حتي لا نتهم مرة أخري باعتناق نظريات التآمر، نحن في حاجة لتحرك سريع وحاسم يصنع صراحة أمام الجميع بما في ذلك «الحلفاء الكبار» كل الخيارات علي الطاولة، علينا أن نخرج الدبلوماسية من الموضوع ونضع كل الخيارات الأخري علي الطاولة لأن الأمر جد أصبح بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home